شركات التكنولوجيا تضغط على إدارة ترامب لتخفيف قيود الذكاء الاصطناعي في مواجهة الصين

تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تخفيف القواعد التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبرةً أن ذلك ضروري للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في هذا المجال، خاصة مع المنافسة المتزايدة من الصين.

تراجع القيود التنظيمية لتعزيز التفوق الأميركي

مع تزايد القلق العالمي من تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي، سارعت الحكومات إلى فرض قيود لضمان الاستخدام الآمن لهذه التقنية، لكن إدارة ترامب اتخذت نهجًا مغايرًا، حيث تركز على تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي دون الالتفات إلى المخاطر المحتملة مثل الهلوسة التقنية، وتقنيات التزييف العميق، والتأثير على الوظائف البشرية.

خلال قمة الذكاء الاصطناعي الأخيرة في باريس، قال جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي:
“لن ينتصر مستقبل الذكاء الاصطناعي إذا واصلنا القلق بشأن معايير السلامة.”

هذا الموقف الأميركي أثار مخاوف في أوروبا، التي لطالما تباهت بإقرار قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي كإطار تنظيمي عالمي، لكنها الآن تتحول نحو دعم الاستثمار والابتكار لتجنب التخلف في السباق التكنولوجي.

الشركات تستفيد من تخفيف القيود

بدأت الشركات التقنية الكبرى في استغلال هذا التراجع التنظيمي لتعزيز عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث ألغت إدارة ترامب العديد من السياسات السابقة التي فرضتها إدارة جو بايدن، والتي تضمنت إجراءات رقابية محدودة على نماذج الذكاء الاصطناعي القوية.

تقول كارين سيلفرمان، الرئيسة التنفيذية لشركة Cantellus Group الاستشارية:
“من الواضح أننا نتجه بعيدًا عن فكرة وجود إطار تنظيمي شامل للذكاء الاصطناعي.”

ودعت إدارة ترامب ممثلي كبرى الشركات التقنية للمساهمة في وضع السياسات الجديدة، حيث أكد المسؤولون أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على الهيمنة الأميركية في الذكاء الاصطناعي مع الحد الأدنى من التدخل الحكومي. ومن المتوقع أن تنشر خطة عمل البيت الأبيض بشأن الذكاء الاصطناعي هذا الصيف، والتي ستعتمد إلى حد كبير على مقترحات القطاع الخاص.

OpenAI: الصين تهديد وجودي

أحد أكثر المقترحات حدة جاء من OpenAI، التي اعتبرت أن التنظيم المفرط قد يمنح الصين تفوقًا خطيرًا. وسلطت الضوء على نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek، الذي يتميز بكفاءة تكلفته مقارنة بنماذج الشركات الأميركية.

وقالت الشركة في بيانها:
“يجب حماية تطوير الذكاء الاصطناعي الأميركي من القوى الاستبدادية التي قد تسلب الناس حرياتهم، ومن التعقيدات البيروقراطية التي قد تعيق تقدمنا.”

المحلل زفي موشوفيتز يرى أن OpenAI تسعى بالأساس إلى منع الحكومة الفيدرالية والولايات الأميركية من فرض أي قيود على تطوير الذكاء الاصطناعي.

معركة الملكية الفكرية والتكنولوجيا

لا تقتصر معركة الشركات على التنظيم الحكومي، بل تشمل أيضًا حقوق الملكية الفكرية. حيث تواجه OpenAI دعوى قضائية من صحيفة نيويورك تايمز بسبب استخدامها لمحتواها في تدريب النماذج. وتؤكد الشركة أن فرض قيود على استخدام البيانات سيضر بالمنافسة الأميركية لصالح الصين، قائلة:
“بدون الحق في الاستخدام العادل للمحتوى المحمي بحقوق النشر، ستخسر أميركا، وسيتعثر مستقبل الذكاء الاصطناعي الديمقراطي.”

لكن هذه الحجة قوبلت بالرفض من قبل قطاع صناعة السينما والتلفزيون، حيث وقّع نجوم مثل بن ستيلر وسينثيا إيريفو على رسالة تعارض استغلال محتوى الفنانين والكتاب في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

الميزة التنافسية لنماذج المصدر المفتوح

من جانبها، ميتا تدافع عن نموذجها Llama، مؤكدةً أن الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر ضروري للحفاظ على التفوق الأميركي. بل ذهب الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ إلى حد اقتراح فرض تعريفات جمركية عقابية على الدول التي تفرض قيودًا على الذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي.

أما غوغل، فقد ركزت في مقترحاتها على أهمية الاستثمار في البنية التحتية لضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة بسبب توسع تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكنها، مثل غيرها من الشركات الكبرى، تعارض أي إجراءات تنظيمية فردية على مستوى الولايات الأميركية، معتبرةً أنها تهدد الريادة التكنولوجية الأميركية.

تحذيرات من مخاطر غير مُنظمة

رغم دعوات الشركات لتقليل القيود، يحذر الخبراء من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يحمل مخاطر جوهرية، سواء كان تحت إشراف حكومي أم لا.

يقول ديفيد دانكس، أستاذ علوم البيانات في جامعة كاليفورنيا:
“قد تتسبب بعض التقنيات في نتائج كارثية، مما يؤدي إلى ردود فعل سلبية واسعة النطاق في الإعلام والرأي العام.”

ويضيف أن الشركات تدرك جيدًا هذه المخاطر، لذا ستسعى لتخفيفها ذاتيًا حتى لا تؤثر سلبًا على سمعتها أو تقوض ثقة المستخدمين.

هل نشهد سباقًا غير منضبط نحو الذكاء الاصطناعي؟

في ظل هذا التوجه، يبدو أن العالم يتجه نحو سباق غير منظم في تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تتراجع القيود التنظيمية لصالح تعزيز التنافسية الاقتصادية والتكنولوجية، خاصة بين الولايات المتحدة والصين.

ويبقى السؤال: هل سيؤدي هذا الانفتاح إلى ابتكارات عظيمة، أم أنه يمهد الطريق لأزمات تقنية وأخلاقية جديدة في المستقبل القريب؟

شارك هذا الخبر
إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

صحفي متخصص في التكنولوجيا

المقالات: 1320

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *