رغم الآمال المعقودة على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحويل الاقتصاد العالمي، إلا أن هذه الثورة التكنولوجية تحمل في طياتها مخاطر كبيرة بتفاقم التفاوتات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية، ما يُعيد إلى الأذهان مشهد الهيمنة الرقمية الذي كرسته العولمة من قبل.
الريادة التكنولوجية تركّز الفوائد في دول الشمال
تتمتع الدول المتقدمة ببيئة حاضنة للذكاء الاصطناعي تشمل بنية تحتية رقمية متقدمة، أنظمة تعليمية وبحثية راسخة، وعمالة ماهرة. هذا التفوق يمنحها الأفضلية في تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى خلق فرص عمل عالية المهارة وزيادة الإنتاجية، ويُوسّع الفجوة الاقتصادية مع الدول النامية. وفق تقرير نشرته CNN الاقتصادية،
الأتمتة تهدد الوظائف في الجنوب العالمي
تعتمد اقتصادات الدول النامية بدرجة كبيرة على العمالة الكثيفة في قطاعات مثل الزراعة والتصنيع. ومع تقدم الأتمتة، تُصبح هذه الوظائف مهددة بالزوال، لا سيما في ظل غياب برامج إعادة التأهيل وضعف البنية التحتية التقنية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وتعميق الهشاشة الاجتماعية.
التحيز في البيانات يُكرّس التمييز
تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على البيانات الضخمة، التي غالبًا ما تُجمع وتُعالج في الدول المتقدمة. هذا التفاوت يُنتج أنظمة مشوبة بالتحيز، تُعيد إنتاج التمييز القائم، خصوصًا في مجالات التوظيف، الإقراض، وتوزيع الموارد، ما يؤثر سلبًا على المجتمعات المهمشة حول العالم.
حقوق الملكية تحجب الابتكار
تُسيطر الدول الكبرى على معظم حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يحدّ من قدرة الدول النامية على الوصول إلى التكنولوجيا أو تطوير بدائل محلية. كما تُضعف هذه السيطرة فرص التفاوض العادل بشأن استخدام التكنولوجيا، وتعزز التبعية التكنولوجية.
الفجوة الرقمية تقف حاجزًا أمام التبني
لا تزال الفجوة الرقمية تمثّل عقبة رئيسية أمام تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدول النامية، حيث تعاني العديد من المناطق من ضعف في الاتصال بالإنترنت، وارتفاع تكلفة الأجهزة، وانخفاض مستويات الثقافة الرقمية.
غياب الأطر التنظيمية يفتح الباب للفوضى
تفتقر كثير من الدول النامية إلى سياسات واضحة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها عرضة للاستغلال التكنولوجي والاحتكار، ويُضعف قدرتها على حماية الخصوصية، وضمان المنافسة العادلة، ومواجهة التحديات الأخلاقية.
كيف يمكن تقليص هذا التفاوت؟
لحماية التوازن الاقتصادي العالمي وضمان أن تصبح ثورة الذكاء الاصطناعي فرصة للجميع، يُوصي الخبراء بعدة استراتيجيات:
- تعزيز التعليم والتدريب: الاستثمار في المهارات التقنية والرقمية، خصوصًا في الدول النامية، لإعداد الجيل القادم لسوق العمل الجديد.
- تشجيع النماذج مفتوحة المصدر: إتاحة الوصول المجاني إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي سيُعزز الابتكار المحلي ويُقلل من الاعتماد على الشركات الكبرى.
- إرساء مبادئ أخلاقية: تطوير أطر تنظيمية دولية لضمان استخدام مسؤول وعادل لخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
- توسيع البنية التحتية الرقمية: سد الفجوة الرقمية عبر الاستثمار في الإنترنت والتعليم الرقمي في المناطق المحرومة.
- تعزيز التعاون الدولي: دعم شراكات بين الدول المتقدمة والنامية في مجالات تبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات المؤسسية.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل قوة اقتصادية وسياسية متصاعدة ستُعيد تشكيل موازين القوى عالميًا. ومن خلال التعامل الجاد مع التحديات المطروحة، يمكن توجيه هذه القوة نحو عالم أكثر عدالة وشمولًا، بدلًا من تعميق الانقسامات القديمة.




