دراسة من MIT: هكذا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلّم التفكير مثل الإنسان

كشفت دراسة جديدة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن آليات مذهلة يستخدمها الدماغ البشري لحل المشكلات المعقدة، وأظهرت كيف يمكن ترجمة هذه الآليات إلى تصميمات مستقبلية أكثر كفاءة للذكاء الاصطناعي، ما يفتح آفاقًا واسعة نحو أنظمة “تفكر” بطريقة أقرب إلى الإنسان.

محدودية النماذج الحالية رغم دقتها

ورغم ما تظهره نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل «GPT-4» من OpenAI و«BERT» من Google من دقة هائلة في تحليل الأنماط، إلا أنها لا تزال تُعاني في مهام التفكير المتسلسل المعقد الذي ينفذه البشر بمرونة لافتة.

الدماغ البشري… عبقرية تحت القيود

ركزت الدراسة على قدرة الدماغ البشري على تقسيم المهام إلى خطوات صغيرة قابلة للإدارة، باستخدام اختصارات ذهنية مثل:

  • الاستدلال الهرمي: تقسيم القرار إلى خطوات متتابعة (مثلاً: يسار أو يمين، ثم المتابعة).
  • الاستدلال الاحتمالي المعاكس (Counterfactual): مراجعة القرارات السابقة عند ظهور إشارات جديدة تُشير إلى احتمال الخطأ.

البشر لا يعالجون جميع الاحتمالات دفعة واحدة، بل يبنون تخمينًا أوليًا ويعدّلونه فقط إذا دعت الحاجة.

تجربة علمية: كرة في متاهة

في تجربة فريدة، طُلب من المشاركين تتبع كرة خفية داخل متاهة من خلال إشارات صوتية. وأظهرت النتائج أن المشاركين يختارون بين الاستراتيجيتين السابقتين بناءً على قوة ذاكرتهم وثقتهم بالمعلومات.

نماذج الذكاء الاصطناعي تُحاكي البشر تحت الضغط

لتحليل ما إذا كانت هذه الطريقة “إنسانية فقط” أم منطقية عامّة، أنشأ الباحثون نموذجًا عصبيًا يحاكي التجربة. وعند تشغيله بكامل طاقته، قدّم أداءً أعلى من البشر لكنه اعتمد على حسابات موازية كثيفة.

وعندما قُيّدت قدراته الحسابية أو ضُعفت ذاكرته، بدأ النموذج يتصرّف مثل الإنسان: استخدام التفكير الهرمي، والتراجع عند الحاجة فقط. وهذا يثبت أن الاستراتيجيات البشرية ليست ضعفًا، بل حلولًا ذكية ضمن قيود معرفية.

الذكاء الاصطناعي بين الكفاءة والتشابه مع الإنسان

تشير الدراسة إلى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي قد لا يكون في المزيد من القوة الحسابية فقط، بل في الذكاء الحسابي المقيد—أي محاكاة طريقة تفكير الإنسان التي توازن بين السرعة والدقة والموارد.

مثل هذه النماذج قد تكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وأسهل في الفهم والتفسير، وتُتيح تعاونًا أفضل بين الإنسان والآلة.

حدود الذاكرة تصنع سلوكًا أكثر واقعية

عند إضافة “ضوضاء” للذاكرة في النموذج، أصبح أكثر حذرًا، تمامًا مثل الإنسان الذي يُراجع قراراته عند الشك. وبدلاً من اتخاذ قرارات متطرفة، بدأ النموذج في التكيف التدريجي—ما يُشبه فعليًا المنطق البشري في تقييم المواقف.

من علم الأعصاب إلى تصميم الأنظمة الذكية

تُقدم هذه الدراسة خريطة طريق واضحة لتطوير ذكاء اصطناعي يُفكر بمرونة، ويعرف متى يُراجع نفسه دون الإفراط في الحسابات.

كما تُثبت أن ما نعتبره “اختصارات ذهنية بشرية” ليس ضعفًا، بل نموذج عبقري للتفكير الفعّال تحت القيود.

خاتمة: نحو ذكاء اصطناعي إنساني التفكير

مع التقدم في فهم الدماغ، تصبح فكرة بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تشبه الإنسان في طريقة التفكير أكثر واقعية. وما قد نعتبره اليوم ميزة بشرية خالصة، قد يُصبح غدًا الأساس لتصميم أنظمة تفكر وتخطط وتتراجع بذكاء—not just faster, but smarter.

 

شارك هذا الخبر
إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

صحفي متخصص في التكنولوجيا

المقالات: 1320

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *