خطة طموحة لمنافسة الولايات المتحدة والصين وتعزيز السيادة الرقمية الأوروبية
رفعت أوروبا شعار “أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي”، معلنة انطلاق مشروع ضخم لإنشاء ما يُعرف بـ”مصانع الغيغاواط” في محاولة جادة للحاق بركب الذكاء الاصطناعي الذي تتصدره الولايات المتحدة والصين. المشروع، الذي تصل استثماراته إلى أكثر من 30 مليار يورو، يُعدّ نقطة تحوّل استراتيجية نحو بناء منظومة صناعية وتقنية جديدة.
من مصانع الفحم إلى “مصانع الذكاء”
رؤية “مصانع الغيغاواط” ليست مجرد مشروع تقني، بل أشبه بثورة صناعية حديثة، إذ أشار الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، جينسن هوانغ، إلى أن هذه المصانع ستكون بمثابة “مصانع الذكاء” التي ستغيّر قواعد اللعبة العالمية.
وبحسب شبكة CNBC، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى هذه المصانع كـ”منظومات ديناميكية” تجمع بين قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والخبرات البحثية، لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة، تنافس على الصعيد العالمي.
رغم امتلاك الباحثين.. الحوسبة كانت العائق الأكبر
رغم أن أوروبا تمتلك عددًا من الباحثين في الذكاء الاصطناعي يزيد بنسبة 30% عن الولايات المتحدة، إلا أن ضعف القدرة الحوسبية شكل تحديًا رئيسيًا أمام انطلاق آلاف الشركات الناشئة في هذا القطاع الحيوي.
ويُضاف إلى ذلك بطء التشريعات، وارتفاع أسعار الطاقة، وتقادم شبكات الكهرباء، مما شكّل عوامل ضغط أعاقت التوسع التقني في دول الاتحاد الأوروبي.
استثمارات ضخمة في مصانع عملاقة للذكاء الاصطناعي
خصص الاتحاد الأوروبي 10 مليارات يورو لإنشاء 13 مصنعاً للذكاء الاصطناعي، إلى جانب 20 مليار يورو أخرى كمبادرة أولى لبناء مصانع الغيغاواط، في ما وصفته المفوضية الأوروبية بأنه “أكبر استثمار حكومي في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم”.
ومن المقرر أن يبدأ أول مصنع فعليًا في العمل خلال أسابيع، بينما ينطلق أحد أبرز المشاريع في ميونيخ، ألمانيا، مطلع سبتمبر المقبل. وتُقدّر كلفة إنشاء كل مصنع بين 3 إلى 5 مليارات يورو، ما يجعل مشاركة القطاع الخاص أمرًا حاسمًا في نجاح الخطة.
الطاقة.. التحدي الأصعب في الطريق
ورغم الحماسة الأوروبية للمشروع، إلا أن تأمين الطاقة الكافية لا يزال أحد أبرز التحديات، حيث تحتاج كل منشأة إلى قدرة تعادل غيغاواطًا كاملاً من الكهرباء، ما يتطلب تحديثًا شاملًا للبنية التحتية لشبكات الطاقة في أوروبا.
ووفق تقديرات بنك UBS، فإن هذه المصانع قد تسهم في إضافة ما يصل إلى 15% من القدرة الحاسوبية الأوروبية، وهي نسبة لافتة مقارنة بالولايات المتحدة التي تمتلك ثلث السعة العالمية حاليًا.
وتُشير UBS إلى أن سعة مراكز البيانات العالمية، التي تبلغ حاليًا 85 غيغاواط، ستتضاعف خلال الفترة المقبلة بفعل النمو الكبير في الطلب، ما يعزز أهمية هذه المصانع في سد الفجوة التكنولوجية.
النرويج تختبر أول مصنع سيادي للذكاء الاصطناعي
وفي النرويج، أطلقت شركة الاتصالات “تيلينور” أول تجربة عملية لمصنع ذكاء اصطناعي بالتعاون مع شركة “بابيل سبيك”، التي تطوّر نسخة محلية من “شات جي بي تي” مخصصة للترجمة في البيئات الحساسة مثل الأمن والشرطة الحدودية.
وأكدت كارين هيلسن، مسؤولة الابتكار في “تيلينور”، أن “سيادة البيانات” عنصر جوهري في مستقبل الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أن “المصانع السيادية” يمكن أن تُحدث تغييرًا جذريًا في عمل المؤسسات الحكومية والخاصة.




