يشهد الشرق الأوسط طفرة غير مسبوقة في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، الأمر الذي يثير جدلًا واسعًا حول مستقبل الوظائف وفرص الخريجين. وبينما يعتبره البعض أداة لتعزيز الإنتاجية والابتكار، يخشى آخرون من تأثيره على الوظائف التقليدية، خاصة في القطاعات الروتينية والإدارية. وتشير دراسة حديثة إلى أن أكثر من 61% من العاملين في المنطقة بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة للتكيف مع هذه التحولات، مما يجعل التدريب المستمر وعمليات الـ Upskilling وReskilling ضرورة لا مفر منها لضمان البقاء في سوق عمل سريع التغير.
فرص واعدة للخريجين
يفتح الذكاء الاصطناعي التوليدي آفاقًا مهنية لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة، حيث تتجه شركات في الإمارات والسعودية إلى اعتماده في تطوير المحتوى التسويقي، تحسين تجربة العملاء، تحليل البيانات وتسريع البرمجة. ووفقًا لتقارير SAP، فإن 84% من الشركات الإماراتية تخطط لتوظيف خبراء ذكاء اصطناعي خلال السنوات القادمة، ما يعكس ارتفاع الطلب على الكفاءات المتخصصة. كما شهدت الإمارات ارتفاعًا لافتًا بنسبة 1,102% في تسجيلات دورات GenAI عبر منصات التعليم الإلكتروني مثل Coursera، وهو مؤشر واضح على إدراك الطلاب والمهنيين لأهمية هذه المهارات في ضمان مستقبلهم المهني.، وفق تقرير نشرته وكالة وطن للأنباء.
وظائف جديدة ومهارات المستقبل
لا يقتصر الذكاء الاصطناعي التوليدي على تحسين الأعمال الحالية، بل يخلق وظائف جديدة مثل: مطوّر نماذج (Model Developer)، محلل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Analyst)، ومفسّر مخرجات الذكاء الاصطناعي (AI Output Interpreter). وتحتاج هذه الأدوار إلى مزيج من المهارات التقنية والاجتماعية المعرفية، مثل القدرة على تفسير نتائج الذكاء الاصطناعي وصياغة قرارات مبنية عليها. وتشير الدراسات إلى أن الطلب على هذه المهارات ارتفع بنسبة 36.7% مقارنة بالوظائف التقليدية.
فرص لغير الخريجين ورواد الأعمال
الميزة الأبرز للذكاء الاصطناعي التوليدي أنه ليس حكرًا على أصحاب الشهادات الجامعية. فيمكن لرواد الأعمال والأفراد العاديين استخدام أدوات مثل ChatGPT لإعداد الحملات التسويقية، وMidJourney لتصميم الشعارات، وأدوات توليد الفيديو لإنتاج محتوى بصري احترافي بتكلفة منخفضة. هذا يفتح المجال أمام الابتكار ويمنح الشباب فرصة لدخول السوق بأدوات قوية دون عوائق مالية أو تقنية كبيرة.
التحديات والمخاطر
رغم الفرص الكبيرة، تبقى هناك تحديات ملحوظة؛ أبرزها فقدان بعض الوظائف الروتينية مثل إدخال البيانات والدعم الفني، وظهور فجوة مهارية بين من يتقن تقنيات الذكاء الاصطناعي ومن يتخلف عنها، إلى جانب مخاطر أخلاقية مثل التحيز في البيانات والمحتوى المضلل (Deepfake). وتشير الدراسات إلى أن 78% من الموظفين في الشرق الأوسط يرون فوائد الذكاء الاصطناعي تفوق مخاطره، بينما يتوقع 84% تغييرات جذرية في وظائفهم، ويشعر نحو 60% بتهديد مباشر لمجالات عملهم.
المستقبل شراكة بين الإنسان والآلة
من الواضح أن المستقبل لن يكون بإحلال كامل للآلة محل الإنسان، بل في صيغة شراكة تكاملية بين العنصر البشري والتكنولوجيا. وتتصدر الإمارات دول المنطقة من حيث كثافة الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي (AI Talent Density)، مما يمنحها ريادة في إعداد الشباب لمواكبة هذا التحول. ولذلك، يتطلب الأمر من الجامعات والشركات تعزيز برامج التدريب المتقدمة، وتطوير مهارات الخريجين، لضمان جاهزيتهم لاقتصاد يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
.. الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل فرصة ذهبية لتحويل الشرق الأوسط إلى مركز إقليمي للابتكار، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات تتعلق بالمهارات والعدالة الوظيفية. الاستثمار في تدريب الشباب وتجهيزهم بهذه الأدوات سيكون المفتاح لتحويل المخاوف إلى مكاسب اقتصادية طويلة الأمد.




