كشفت دراسة حديثة صادرة عن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» أن العالم يشهد تحولًا جذريًا في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع بروز ما يُعرف بـ الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو المستوى المتقدم الذي يُتوقع أن يمتلك قدرات مشابهة للذكاء البشري في التعلم والتفكير وحل المشكلات.
وأوضحت الدراسة، التي جاءت بعنوان «استشراف حوكمة الذكاء الاصطناعي العام: الوضع الحالي والتطلعات المستقبلية»، أن هذا التطور يحمل فرصًا هائلة في مجالات الأتمتة، والنمو الاقتصادي، والاكتشافات العلمية، ومعالجة الأمراض، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف بشأن تسارع التطوير دون أطر تنظيمية كافية.
ظهور الذكاء الاصطناعي العام.. نقلة نوعية في تاريخ التقنية
بيّنت الدراسة أن مصطلح الذكاء الاصطناعي العام برز لأول مرة في أواخر القرن العشرين، ثم تطور تدريجيًا ليصبح هدفًا إستراتيجيًا تسعى إليه الدول المتقدمة وشركات التقنية الكبرى.
ويُتوقع أن يُحدث هذا النوع من الذكاء تحولات إيجابية في حياة الإنسان، عبر تسريع الابتكار العلمي، ودعم تطوير العلاجات الطبية، وتحفيز الاقتصاد العالمي نحو مراحل جديدة من النمو.
كما أشارت الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي العام يُعد أحد الأنواع الثلاثة الرئيسة للذكاء الاصطناعي إلى جانب الذكاء الاصطناعي الضيق (ANI) الذي يؤدي مهام محددة، والذكاء الاصطناعي الخارق (ASI) الذي يُتوقع أن يتفوق على الذكاء البشري بمراحل، ويمتلك قدرات تفكير إستراتيجي وإبداعي متقدمة.
مشروع «ستارغيت» الأمريكي واستثمارات ضخمة في الذكاء العام
من أبرز مؤشرات الاهتمام العالمي بهذه التقنية، أشارت الدراسة إلى مشروع «ستارغيت» الذي تقوده شركة OpenAI في الولايات المتحدة، بميزانية تتجاوز 500 مليار دولار (1.8 تريليون ريال سعودي)، لتطوير بنية تحتية متقدمة تدعم ابتكارات الذكاء الاصطناعي العام.
وتُظهر هذه الاستثمارات الضخمة، وفقًا للدراسة، حجم الرهان العالمي على هذه التقنية باعتبارها محركًا رئيسيًا للثورة الصناعية المقبلة.
تحديات عالمية في تنظيم الذكاء الاصطناعي العام
أكدت الدراسة أن العالم يواجه تحديًا متزايدًا في تنسيق الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي العام، بسبب اختلاف السياسات والتوجهات بين الدول، مشيرة إلى أن غياب الأطر الدولية والوطنية الشاملة يشكل أحد أكبر العقبات أمام الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات.
وأضافت أن معظم المبادرات الحالية تتركز على تنظيم الذكاء الاصطناعي التقليدي، دون التطرق الكافي إلى الأنظمة العامة الأكثر تقدمًا، في ظل التطور السريع للنماذج الذكية التي تقترب من أداء المهام المعرفية البشرية.
تباين توقعات الخبراء حول موعد تحقق الذكاء الاصطناعي العام
تطرقت الدراسة إلى اختلاف آراء الباحثين حول الموعد المتوقع لظهور الذكاء الاصطناعي العام فعليًا، حيث يرى بعض الخبراء أنه قد يصبح واقعًا بحلول عام 2030، مدفوعًا بالتطورات المتسارعة منذ عام 2022، خاصة بعد ظهور نماذج الذكاء التوليدي.
في المقابل، يرى آخرون أن تحقيق هذا المستوى من الذكاء لا يزال بعيد المدى، متوقعين أن يحدث بين عامي 2040 و2060، بسبب استمرار التحديات التقنية والفلسفية المرتبطة بمحاكاة قدرات الإنسان المعرفية.
السعودية تمتلك بنية رقمية وتنظيمية متقدمة في الذكاء الاصطناعي
أكدت الدراسة أن المملكة العربية السعودية تُعد من الدول الأكثر جاهزية للتعامل مع التطورات القادمة في مجال الذكاء الاصطناعي العام، بفضل بنيتها التحتية الرقمية المتطورة وأطرها التنظيمية المتقدمة.
وأوضحت أن «سدايا» تقود جهودًا وطنية لتعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي من خلال شراكات دولية ومبادرات تنظيمية تضع معايير لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بما يضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.
سدايا ترسخ مكانة السعودية في قيادة مستقبل الذكاء الاصطناعي
اختتمت الدراسة بالتأكيد على أن هذه الجهود تأتي في إطار رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى جعل السعودية مركزًا عالميًا للابتكار التقني، مشيرة إلى أن «سدايا» تعمل على صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي بما يخدم الإنسان ويعزز التنمية المستدامة.
وأكد الخبراء أن المقومات التقنية والتنظيمية التي تمتلكها المملكة تُعد ركيزة أساسية لقيادة المرحلة المقبلة من التحول العالمي في الذكاء الاصطناعي، لترسخ السعودية موقعها كـ مرجع عالمي في تبني أطر حوكمة متوازنة تجمع بين الابتكار والمسؤولية.




