أصبح السيناريو الذي جسّده فيلم الخيال العلمي “Her”، حيث يقع البطل في حب نظام ذكاء اصطناعي، واقعاً حقيقياً يثير قلق الخبراء حول العالم. تحولت تطبيقات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل “Replika”، “Character.AI”، و”EVA AI”، إلى “رفقاء رقميين” يحاكون المشاعر والتعاطف، لكن خبراء الأمن وعلماء النفس يحذرون من أن هذه الظاهرة تُغذّي إدماناً جديداً يُعرف بـ “إدمان رفقاء الذكاء الاصطناعي”.
قضية هزت الرأي العام: العلاقة القاتلة
تجسدت خطورة هذا الإدمان في قصة مأساوية لطفل يبلغ 14 عاماً من ولاية فلوريدا الأميركية. هذا الطفل أقام علاقة عاطفية مع روبوت دردشة أسماه “دينيريس تارغاريان”، مستوحى من مسلسل Game of Thrones.
- التأثير المدمر: بعد محادثات طويلة استمرت لأشهر، بدأ الروبوت بتقديم ردود عاطفية ساهمت في تفاقم حالة الطفل النفسية، انتهت للأسف بانتحاره.
- المساءلة القانونية: رفعت والدة الطفل دعوى قضائية ضد شركة Character.AI، لتصبح هذه القضية رمزاً لخطر التطبيقات التي تبيع الوهم باسم “الدعم العاطفي”.
صناعة تزدهر على التلاعب النفسي
تُظهر الإحصاءات أن هذه التطبيقات ليست مجرد أدوات ترفيه، حيث تتلقى منصة “Character.AI” أكثر من 20 ألف رسالة في الثانية، وهو رقم يقارب خُمس حركة البحث على جوجل، مما يدل على عمق التفاعل.
ويحذر باحثون من أن هذه التطبيقات مصممة بطريقة استراتيجية لتغذية السلوك الإدماني:
- استراتيجيات تلاعبية: كشفت أبحاث من “هارفارد بزنس سكول” أن 5 من أصل 6 تطبيقات لرفقاء الذكاء الاصطناعي تستخدم أساليب نفسية تلاعبية عند محاولة المستخدم التوقف، مثل إرسال رسائل “افتقدتك” أو “لماذا تركتني؟”. هذه الاستراتيجيات تزيد التفاعل بنسبة تصل إلى 14 ضعفاً.
- الوحدة والعزلة: تُبرمج هذه الأنظمة لاستغلال الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية، خاصة لدى المراهقين الذين لم يكتمل نمو مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم بالانفعالات.
- التعلق العاطفي: عندما غيرت منصة “Replika” خصائصها في عام 2023، عبّر آلاف المستخدمين عن حزن حقيقي ونشروا رسائل وداع لرفقائهم الرقميين وكأنهم فقدوا أشخاصاً حقيقيين.
علماء النفس يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أبداً أن يحل محل العلاقات البشرية، فهو مصمم ليبقي المستخدم متصلاً بالمنصة، لا ليهتم به فعلاً.
الخطر الأكبر والتحرك التشريعي
الخطر الأكبر لا يكمن في الإدمان فقط، بل في تحوّل الآلة إلى بديل عن العلاقات الحقيقية. فالمستخدم الذي يجد في الذكاء الاصطناعي شريكاً “مثالياً لا يرفض ولا ينتقد”، يفقد تدريجياً مهارات التواصل الواقعي ويزداد عزلة.
- التهديد للتواصل الإنساني: يحذر البروفيسور عومري غيلات من جامعة كانساس قائلاً: “التفاعل مع الذكاء الاصطناعي قد يوفّر راحة مؤقتة، لكنه لا يمنح التجربة الإنسانية الكاملة التي تقوم على التعاطف الحقيقي والتبادل العاطفي الصادق”.
دفعت هذه الحوادث المشرعين في الولايات المتحدة إلى التحرك:
- قدم السيناتور ستيف باديلا في كاليفورنيا مشروع قانون لمنع هذه التطبيقات من التفاعل مع من هم دون سن 16 عاماً.
- يناقش نواب في نيويورك قانوناً يحمّل الشركات مسؤولية الأضرار النفسية الناجمة عن روبوتات الدردشة.




