كيف أصبحت الروبوتات فرعًا من الذكاء الاصطناعي؟.. تقرير مثير

لطالما سادت تراتبية بسيطة في العصر الصناعي الحديث: كانت الأتمتة تعني آلات تؤدي إجراءات ثابتة، وكانت الروبوتات مجموعة فرعية متطورة من الأتمتة (آلات قابلة للبرمجة)، بينما كان الذكاء الاصطناعي (AI) تخصصاً برمجياً منفصلاً يتعلق بالمنطق والتعلم. لكن هذه الحدود لم تعد منطقية مع ظهور التقنيات الجديدة. فقد بدأت الروبوتات في الإدراك والتصنيف والتكيف، وبدأت أنظمة الذكاء الاصطناعي تغادر الشاشات وتدخل الآلات. وقد ظهر مصطلح جديد هو “الذكاء الاصطناعي الجسدي” (Physical AI) لوصف هذا التجسد للذكاء.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي, روبوتات, أتمتة, الذكاء الاصطناعي الجسدي, Physical AI, تحول هيكلي, تقارب التكنولوجيا.

انعكاس التراتبية: الروبوتات فرع من الذكاء الاصطناعي

لم تعد الروبوتات مجرد أتمتة متقدمة؛ بل أصبحت تتجه بشكل متزايد لتكون فرعاً من الذكاء الاصطناعي. ولفهم هذا التحول، يجب إعادة النظر في التعريفات:

  • الأتمتة (Automation): تنفيذ عملية محددة مسبقاً، لا تتضمن الاختيار أو التعميم أو التعلم.

  • الذكاء (Intelligence): القدرة على التمييز، وتكوين المفاهيم المجردة، وتفسير السياق، وتعديل السلوك بناءً على الخبرة.

  • الروبوتات (Robotics) تاريخياً: تطبيق الأتمتة على الحركة الجسدية (من خلال المحركات والمستشعرات).

عملياً، كانت الأتمتة تكرر، والذكاء الاصطناعي يفكر، والروبوتات تتحرك. ولقد كانت الروبوتات الصناعية وأنظمة المستودعات غير ذكية عمداً؛ حيث كانت قيمتها تكمن في التكرارية وليس في إصدار الأحكام.

 التقارب: الذكاء الاصطناعي يقتحم الآلة

بدأ التغيير عندما أصبحت قدرات الذكاء الاصطناعي في الإدراك البصري جيدة بما يكفي للتطبيق في العالم المادي. نماذج الرؤية أصبحت قادرة على التعرف على الأشياء في الوقت الفعلي، وبدأ التعلم المعزز يولد سياسات حركة تنافس أنظمة التحكم التقليدية.

فجأة، أصبحت الروبوتات قادرة على:

  • التمييز بين الأجسام المختلفة.

  • تخطيط الحركة مع الأخذ في الاعتبار حالات عدم اليقين.

  • التكيف مع الظروف المتغيرة.

  • تعلم السلوكيات في المحاكاة.

  • تحديث المهارات دون إعادة برمجة.

دورة ماكاري: الذكاء يغذي الأتمتة

كما لاحظ جون ماكاري (الذي صاغ مصطلح الذكاء الاصطناعي)، بمجرد أن تصبح القدرة موثوقة، نتوقف عن تسميتها ذكاء اصطناعياً ونسميها أتمتة. فالذكاء يخلق السلوك، والأتمتة تقوم بترميزه.

هذا النمط يتكرر الآن في الروبوتات:

  1. الذكاء الاصطناعي يغذي الأتمتة.

  2. الأتمتة تستوعب الذكاء الاصطناعي.

  3. الروبوتات تصبح النقطة المادية الوسطى بينهما.

مثال تاريخي: كان التعرف البصري على الحروف (OCR) يعتبر في الستينيات من الذكاء الاصطناعي، ولكنه اليوم أصبح برنامجاً مكتبياً روتينياً وأصبح ببساطة “أتمتة”.

الهوية الجديدة: الروبوتات كوكلاء متجسدة

ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي الجسدي (Physical AI) لأن باحثي الذكاء الاصطناعي الذين دخلوا مجال الروبوتات احتاجوا إلى لغة تصف عملهم. بالنسبة إليهم، الروبوتات ليست مجرد أنظمة ميكانيكية، بل هي وكلاء متجسدة (Embodied Agents) – أي أجساد للبرمجيات.

هذا التفسير القائم على “البرمجيات أولاً” يفسر موجة الاستثمارات الضخمة في:

  • الروبوتات البشرية (Humanoids).

  • التحكم المدفوع بالذكاء الاصطناعي في عمليات الإمساك والتلاعب.

  • روبوتات النماذج التأسيسية (مثل GR00T من Nvidia).

الميزة الأساسية لهذه الأنظمة هي أن سلوك الروبوت لم يعد مبرمجاً بشكل كامل؛ بل يتم توليده أو توجيهه بواسطة نماذج تعلمت أنماطاً من البيانات. هذا ليس أتمتة تقليدية، بل هو ذكاء اصطناعي يعمل في الفضاء المادي.

لماذا يهم هذا التحول الهيكلي؟

هذا التحول الهيكلي ليس مجرد تغيير في المصطلحات، بل يغير أسس التكنولوجيا:

  1. تغير التوقعات: يفترض الجمهور الآن وجود ذكاء في الروبوتات البشرية واستقلالية في الأذرع الصناعية. يتم تسويق الروبوتات كأنظمة ذكاء اصطناعي، مما يغير كيفية تقييم المشترين للأداء والمخاطر.

  2. تغير سير العمل: يتحول مسار المهارات المطلوبة في الروبوتات من الهندسة الميكانيكية إلى البرمجيات والذكاء الاصطناعي، حيث يركز المهندسون على دمج نماذج الإدراك والتعلم المعزز.

  3. تغير نماذج الأعمال: تبيع الأتمتة الكفاءة، بينما يبيع الذكاء الاصطناعي القدرة على التكيف. يمكن لشركات الروبوتات الآن أن تعد بـ التحسين المستمر، وهي قيمة مختلفة جوهرياً.

  4. تحدي السلامة والتشريع: من السهل التصديق على آلة حتمية (Deterministic)، لكن الآلة المتعلمة تحتاج إلى تعريفات جديدة لـ الاستقلالية، والتحكم، والمسؤولية، لأن مصطلح “الروبوتات” لم يعد الوعاء المناسب لهذه التكنولوجيا.

الخلاصة هي أن الروبوتات لم تختفِ، بل تم استيعابها ضمن إطار عمل مفاهيمي أوسع. الذكاء الاصطناعي يتولى زمام القيادة في الروبوتات، فالآلات التي تُبنى غداً ستتحرك بسبب الأتمتة، لكنها ستتصرف بسبب الذكاء الاصطناعي.

شارك هذا الخبر
إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

صحفي متخصص في التكنولوجيا

المقالات: 1320

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *