حذّر خبراء في مجال الزراعة والذكاء الاصطناعي من خطورة بناء حلول تعتمد على بيانات غير دقيقة أو غير مناسبة، مؤكدين أن نجاح الذكاء الاصطناعي في الزراعة يبدأ من اختيار البيانات الصحيحة وبناء نماذج مع متخصصين في القطاع الزراعي.
تعمل الباحثة روزيتا دارا وفريقها في جامعة غلف الكندية منذ سنوات على تطوير أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتفشي إنفلونزا الطيور في كندا. لكن قبل عامين، وأثناء مراجعة الأداة مع وكالة فحص الأغذية الكندية CFIA، اكتشفت دارا وفريقها أنهم اعتمدوا على نوع خاطئ من البيانات خلال تطوير النموذج.
وتروي دارا الواقعة قائلة:
“سألونا: لماذا تعتمدون على عدد الحالات؟ عليكم استخدام بيانات عدد الفاشيات المرضية وليس الحالات الفردية”.
وتضيف: “لو لم ننتبه لهذا الأمر وعدّلنا قاعدة البيانات، كان من الممكن أن يسبب النموذج أضراراً خطيرة بإصدار نتائج مضللة وقرارات خاطئة تقلل الثقة في الذكاء الاصطناعي”.
هذا المثال يعكس إحدى أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي حالياً مع تسارع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة والاستدامة والأمان الحيوي عبر سلاسل القيمة الغذائية.
البيانات هي الأساس… ومصدر المخاطر أيضاً
تقول دارا، أستاذة مشاركة في جامعة غلف ومشرفة على مبادرة الذكاء الاصطناعي للأغذية:
“البيانات عنصر حاسم. معظم مخاطر الذكاء الاصطناعي مرتبطة بجودة البيانات: بيانات منحازة، أو منخفضة الجودة، أو غير مكتملة، أو حتى بيانات تعرضت للتلاعب”.
وتؤكد أنه لا يمكن تطوير نماذج ذكاء اصطناعي موثوقة دون العمل بشكل تعاوني مع خبراء مختصين مثل:
- المهندسين الزراعيين،
- الأطباء البيطريين،
- خبراء سلامة الغذاء،
- الإحصائيين وخبراء البيانات.
وتنصح مطوّري الذكاء الاصطناعي في الزراعة بطرح أسئلة محورية قبل بدء أي مشروع:
“ما المشكلة التي نحاول حلّها؟ هل البيانات المتاحة مناسبة؟ هل تم جمعها بشكل صحيح؟ هل صياغة السؤال صحيحة لتقديم نتيجة يمكن الوثوق بها؟”
مخاطر متعددة تتجاوز البيانات
يشير خبراء آخرون إلى مخاطر إضافية تشمل:
- تحيز البيانات نحو مناطق أو محاصيل معينة،
- الخصوصية والأمان المعلوماتي،
- أمان البنية التحتية الرقمية للمزارع،
- تأثيرات بيئية محتملة،
- مخاطر ثقافية واجتماعية داخل المجتمعات الزراعية،
- فجوة الثقة بين المنتجين والتقنيات الحديثة.
وترى دارا أن بعض المخاطر لا يمكن التنبؤ بها حالياً:
“المشكلة أننا لا نعرف بعض المخاطر بعد، ولا نستطيع صياغتها بشكل يسمح بمعالجتها… تماماً كما لم يفكر أحد في مخاطر انتهاك الخصوصية الرقمية قبل تسريبات إدوارد سنودن”.
ثقة الجمهور في مهب الذكاء الاصطناعي
من جانبها، تحذر دوروثي لونغ، المديرة التنفيذية لمؤسسة التوعية الغذائية الكندية Canadian Food Focus، من خطر آخر يتعلق بثقة الجمهور.
توضح لونغ:
“الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT غيّر طريقة بحث الناس عن المعلومات. لم تعد نتائج البحث التقليدية كافية، وإذا لم تكن المعلومات الزراعية الدقيقة جزءاً من مصادر الذكاء الاصطناعي، فستختفي الحقائق أمام المعلومات الخاطئة”.
وتضيف:
“بعض المؤسسات تنفق وقتاً ومالاً على مواقع إلكترونية قد لا يُنظر إليها إذا لم تغذِّ أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمحتوى الصحيح.”
بين الفرص والمخاطر: لا مجال للتأخر
تدعو دارا القطاع الزراعي إلى التحرك السريع دون خوف مفرط:
“الخوف من المخاطرة أدى إلى تأخر بعض القطاعات الكندية. عدم استخدام الذكاء الاصطناعي مخاطرة بحد ذاته—قد نفقد القدرة التنافسية ونخسر أسواقاً وفرصاً للتوسع”.
وفي المقابل، ترى لونغ أن الذكاء الاصطناعي قد يكون فرصة قوية لمحاربة المعلومات المضللة في الغذاء والزراعة، إذا تم استخدامه بشكل مسؤول.
مشاريع واعدة
يواصل فريق دارا تطوير أداة التنبؤ بإنفلونزا الطيور باستخدام:
- بيانات تاريخية للأمراض،
- رصد بيانات الأراضي،
- مراقبة الطيور البرية،
- تحليل بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي.
وتأمل دارا أن يساعد المشروع مستقبلاً في تقييم فعالية إجراءات السيطرة على الأوبئة، ما يتيح لأصحاب القرار اتخاذ خطوات مبنية على أدلة.
وتختتم قائلة:
“قيمة الذكاء الاصطناعي الحقيقية تظهر عندما يساعد صناع القرار على اتخاذ قرارات أفضل مبنية على بيانات دقيقة”.




