يشهد العالم اليوم تحولاً كبيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث ينظر إليه البعض بتفاؤل لما يحمله من فرص، بينما يراه البعض الآخر بتشاؤم نظرًا للمخاطر التي قد ترافقه. وفي هذا السياق، يشير تقرير التوقعات الاقتصادية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، الصادر عن صندوق النقد الدولي (IMF) في نوفمبر الماضي، إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل ملحوظ على أسواق العمل في المنطقة.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف
يُتوقع أن تؤثر التغيرات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر على الاقتصادات المتقدمة مقارنة بالأسواق الناشئة والنامية. حسب التقرير، فإن نحو 50% من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة مهددة بالتغيير بسبب الذكاء الاصطناعي، بينما تصل هذه النسبة إلى 25% فقط في الأسواق الناشئة. ومع ذلك، يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز الإنتاجية في العديد من القطاعات بدلًا من استبدال الوظائف بالكامل.
فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي
تتمتع الاقتصادات المتقدمة، مثل سنغافورة، بفرص أكبر للاستفادة من هذه التكنولوجيا، حيث تُعتبر حوالي 40% من الوظائف في تلك البلدان مكملة بشكل كبير للذكاء الاصطناعي. على العكس، تنخفض هذه النسبة إلى 3% في دول مثل لاوس، مما يعكس التفاوت الكبير بين الدول في المنطقة. كما يُظهر التقرير أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية داخل البلدان.
الوظائف الأكثر تأثراً
الوظائف الخدمية والمبيعات والأعمال الإدارية المكتبية هي الأكثر عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي، بينما من المرجح أن تستفيد الوظائف الإدارية والمهنية والتقنية التي تتميز عادةً بأجور أعلى من إدماج هذه التكنولوجيا. أيضًا، يشير التقرير إلى أن التفاوت بين الجنسين يزيد من تعقيد هذه التحديات، حيث تتركز النساء في الوظائف الأكثر تأثراً بالذكاء الاصطناعي، بينما يهيمن الرجال على المهن الأقل تأثراً مثل الزراعة وتشغيل الآلات.
التدابير للتكيف مع التغيرات
للتعامل مع هذه التحديات، يوصي التقرير صانعي السياسات في المنطقة بتبني استراتيجيات مستهدفة، مثل تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتنفيذ برامج إعادة التأهيل الوظيفي. كما يشير إلى أهمية تقديم الدعم المالي وبرامج التدريب للعمال المتأثرين، مما يسهم في تسهيل الانتقال إلى اقتصاد يعتمد بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي.
تعزيز التعليم والتدريب
يشدد التقرير على ضرورة تحسين التعليم والتدريب لتأهيل القوى العاملة للاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، لا سيما في الاقتصادات الناشئة. كما ينبغي أن تركز المبادرات على تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة للعمل في بيئات تكنولوجية متقدمة، وهو ما يسهم في تقليص الفجوة بين العمال المتأثرين بالتكنولوجيا والفرص المتاحة في السوق.
الأطر الأخلاقية والرقابية
أوصى التقرير أيضًا بتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي من خلال وضع لوائح تضمن نشر التكنولوجيا بشكل مسؤول مع حماية البيانات. من المهم أن تكون الأطر الأخلاقية واضحة لتقليل المخاطر المحتملة، مما يمكّن الاقتصادات من الاستفادة من النمو الذي توفره هذه التكنولوجيا بشكل فعال.
تحقيق توازن بين الابتكار وحماية الأفراد
من خلال تنفيذ هذه اللوائح، يمكن ضمان تحقيق توازن بين الابتكار في الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الأفراد من الاستخدامات الضارة للتكنولوجيا. في النهاية، يمكن أن تساهم هذه الخطوات في تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يضمن نموًا مستدامًا وتقليص التفاوتات داخل البلدان وبينها.