الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الوظائف ويزيد الفجوة الجغرافية

خبراء يحذرون: غياب قاعدة بيانات دقيقة يهدد مستقبل سوق العمل في مصر

 

حذر خبراء اقتصاديون وتقنيون من غياب قاعدة بيانات دقيقة وشاملة ترصد المهارات والخبرات المتوفرة في سوق العمل المصري، مؤكدين أن هذا الغياب يؤثر سلبًا على دقة دراسات الجدوى ويُربك التخطيط المستقبلي للاحتياجات الوظيفية، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها السوق العالمي.

جاء ذلك خلال ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية لمناقشة تداعيات الذكاء الاصطناعي على قطاع تكنولوجيا المعلومات وسوق العمل المصري.

تحول جذري في قطاع تكنولوجيا المعلومات

أشار المشاركون في الندوة إلى أن الذكاء الاصطناعي يحدث تحولاً جوهرياً في نوعية الوظائف المطلوبة داخل قطاع تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات في مصر، مؤكدين أن العديد من الشركات لا تزال مترددة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بسبب ارتفاع التكاليف، ومخاوف تتعلق بحماية البيانات والتشريعات المنظمة.

وأكدت د. عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، على أهمية إجراء تحليل دقيق للسوق المصري، محذرة من أن “الوضع الحالي حزين ولا يمكن إنكاره”، داعية إلى إصلاح جذري للنظام التعليمي بدعم مباشر من الدولة، لتحقيق قفزة حقيقية في تأهيل الكوادر الشابة.

4% زيادة في الوظائف.. ولكن الفجوة الجغرافية تتسع

وكشفت نتائج دراسة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية خلال الأشهر الأولى من العام الجاري عن زيادة في عدد الوظائف بنسبة 4% مقارنة بالربع السابق، مع استمرار تمركز فرص العمل في القاهرة والجيزة، بينما لم تشهد محافظات الوجه البحري والقبلي – التي تضم نحو 61% من السكان – نمواً يُذكر، ما يعكس فجوة مقلقة في توزيع الفرص الوظيفية.

وبحسب الدراسة، لا تزال وظائف المبيعات، وخدمة العملاء، وتكنولوجيا المعلومات تحظى بالطلب الأكبر، بينما تشير الأرقام إلى تراجع في فرص العمل المتاحة لخريجي الجامعات حديثاً، مقابل تزايد الطلب على أصحاب الخبرة المتوسطة، خصوصاً في المجالات التقنية.

الذكاء الاصطناعي.. تهديد وفرصة

وتوقعت الدراسة أن يواصل الذكاء الاصطناعي تأثيره المتصاعد على سوق العمل، حيث أشار استطلاع عالمي شارك فيه المركز إلى أن سوق العمل العالمي يمر بثلاث ظواهر متداخلة: الأولى دمج الذكاء الاصطناعي في الوظائف القائمة، والثانية ظهور وظائف جديدة كليًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، والثالثة اندثار الوظائف الروتينية مثل إدخال البيانات.

وأوضحت الدراسة أن 30% من مهام وظائف تكنولوجيا المعلومات يمكن تنفيذها حاليًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتزداد هذه النسبة في تخصصات مثل تطوير البرمجيات الخلفية (Back-End)، بينما تقل في مجالات معقدة كالأمن السيبراني.

85 مليون وظيفة مهددة بالاختفاء عالميًا بحلول 2025

من جانبه، أكد الدكتور السيد يوسف القاضي، عميد كلية الهندسة والتكنولوجيا بجامعة بدر، أن غياب قاعدة بيانات مهارية دقيقة يعيق التخطيط الفعّال لسوق العمل، لافتًا إلى تقارير دولية تتوقع اختفاء 85 مليون وظيفة وظهور 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025.

وتساءل القاضي: “هل نحن في مصر مستعدون لهذه التحولات؟ هل لدينا رؤية للوظائف المهددة والمستقبلية؟”، داعياً إلى ضرورة تأهيل الشباب لمواجهة تحديات الثورة الصناعية الرابعة.

دعوة لإعادة صياغة الاستراتيجيات التعليمية

بدوره، حذر محمد هنو، رئيس جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية، من التأثيرات العميقة للذكاء الاصطناعي على وظائف البرمجيات، مؤكدًا ضرورة إعادة صياغة سياسات التعليم والتأهيل. وأشار إلى أن شركات برمجيات بدأت بالفعل في تقليص أعداد موظفيها، معتمدة على عدد أقل من الخبراء المدعومين بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وسلط الضوء على تجربة الهند، التي تفرض على الشركات توظيف نسبة من المتدربين ضمن هيكلها، وتمنح حوافز مالية لدعم هذه السياسة، ما ساعد على تحقيق توازن بين احتياجات السوق ومصلحة الشركات.

فجوة المهارات الاحترافية والتواصل

وفي السياق ذاته، أوضح د. هيثم حمزة، القائم بأعمال رئيس مركز تقييم واعتماد البرمجيات بهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا)، أن الذكاء الاصطناعي لن يلغي الوظائف التقنية بشكل مباشر، لكنه يفرض تحديات على مستوى المهارات، أبرزها ضعف مهارات اللغة والتوثيق وكتابة المستندات الفنية، ما يقلل من فرص تصدير البرمجيات المصرية.

وأكد حمزة أن المهندس المصري يمتلك كفاءة تقنية عالية، لكنه يعاني من نقص في المهارات الاحترافية، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد جزئيًا في سد هذه الفجوة.

ختامًا

أجمع الخبراء المشاركون في الندوة على ضرورة تحرك الدولة والقطاع الخاص بشكل عاجل لتأهيل سوق العمل المصري للتعامل مع التحولات الجذرية التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، عبر تطوير نظام تعليمي مرن، وتشجيع التدريب المستمر، وبناء قاعدة بيانات دقيقة تُسهم في رسم سياسات سوق العمل المستقبلية بدقة وفعالية.

 

شارك هذا الخبر
إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

صحفي متخصص في التكنولوجيا

المقالات: 1320

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *