حضور لافت للتقنيات الحديثة وسط مخاوف من تراجع الإبداع وخسارة الوظائف
شهد مهرجان كان السينمائي بنسخته الـ78 حضوراً لافتاً للذكاء الاصطناعي، الذي أصبح موضوع نقاش واسع بين صُنّاع الفن السابع، في ظل مخاوف متزايدة من تأثيره على مستقبل الصناعة الإبداعية وفرص العمل في مجالات مثل كتابة السيناريو والدبلجة.
مهرجان كان.. بين الحفاظ على التقليد والانفتاح على التكنولوجيا
رغم أن مهرجان كان لطالما عُرف بدعمه لسينما المؤلف، إلا أن نسخة هذا العام كشفت عن انفتاح واضح على العروض الجماهيرية والتقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، الذي برز بقوة في عدة عروض منها فيلم “مهمة مستحيلة” الجديد وفيلم الرعب “دالواي”.
مخاوف المخرجين… ومغريات الأدوات الجديدة
في “قرية الابتكار”، وهي مساحة مخصصة للتقنيات الحديثة ضمن فعاليات المهرجان، بدا واضحاً أن المخرجين منقسمون تجاه الذكاء الاصطناعي. يقول أحد المطورين: “يبدون تردداً في البداية، خوفاً على وظائف الفنيين، لكن عندما يرون الإمكانيات الفنية التي توفرها أدواتنا تتغير آراؤهم”.
من كتابة السيناريو إلى التمثيل الرقمي
خلال الأعوام الأخيرة، دخل الذكاء الاصطناعي كل مراحل الإنتاج السينمائي، من كتابة السيناريو واختيار الموسيقى والديكور، إلى تعديل أعمار الشخصيات رقمياً، كما حدث في فيلم “هير” (Here) عام 2024 من إخراج روبرت زيميكيس وبطولة توم هانكس.
تحليل الجمهور بواسطة “توأم رقمي”
في أحد أركان قرية الابتكار، تعرض شركة “لارغو” السويسرية تقنية متطورة تحاكي ردود أفعال الجمهور عبر “توائم رقمية”، ما يسمح لصنّاع السينما باختبار تفاعل الجمهور المحتمل مع الأفلام وتقديم بيانات دقيقة للمستثمرين.
تقول إنديانا إندرهيل، مديرة مؤسسة لدعم المخرجين الشبان في لوس أنجلس: “هذه الأدوات يمكن أن تساعد المخرجين على الحصول على تمويلات عبر تقديم بيانات مقنعة للممولين”.
الذكاء الاصطناعي على حساب الإبداع؟
تطرح هذه التقنية سؤالاً جوهرياً: هل يتم التضحية بالإبداع لصالح إرضاء ذوق الجمهور؟ ترد إندرهيل: “الإبداع لا يتعارض مع فهم الجمهور. من الطبيعي أن تراعي أنواع الأفلام المختلفة، كالرعب أو الرومانسية، ما يحبه المشاهد”.
استنساخ الأصوات يثير جدلاً أخلاقياً
من أبرز التقنيات المثيرة للجدل أيضاً، تلك التي تقدمها شركة “ريسبيشر” الأوكرانية، والتي تمكنت من استنساخ صوت الممثل أدريان برودي وإزالة لهجته الأصلية، ما تسبب في جدل واسع خلال حفل الأوسكار. الشركة شاركت أيضاً في تحسين صوت الممثلة كارلا صوفيا بفيلم “إيميليا بيريز” الحائز على جوائز أوسكار.
قواعد جديدة من الأكاديمية.. والإبداع الإنساني في الصدارة
أدخلت أكاديمية الأوسكار قاعدة جديدة في أبريل 2025 تسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها شددت على أن الإبداع البشري سيظل عاملاً حاسماً في تقييم الأفلام.
يقول أليكس سيرديوك، مؤسس “ريسبيشر”: “الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، ولا يمكن أن يحل محل الإبداع البشري”.
دعوات إلى تشريعات صارمة
في المقابل، يعبر آخرون عن مخاوفهم من تسارع وتيرة التطور. يقول ديفيد ديفندي جيناريو، مدير استوديوهات “جيناريو”: “التكنولوجيا تتقدم بسرعة كبيرة، ويصعب تقدير خسائرها المحتملة، لذا من الضروري وضع قوانين تنظم استخدامها”.
تفاوت عالمي في التشريعات
تبقى التشريعات متفاوتة بين الدول. فقد أقر الاتحاد الأوروبي في يونيو 2024 قانوناً خاصاً بالذكاء الاصطناعي يشمل السينما ويؤكد على شفافية البيانات واحترام حقوق التأليف. أما في الولايات المتحدة، فرغم ضمانات حصلت عليها نقابة الممثلين والكتّاب بعد إضراب 2023، فإن الرئيس دونالد ترامب يدفع نحو تقليل القيود على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.




