الذكاء الاصطناعي يقترب من محاكاة العقل البشري: علماء يدربون نموذجاً على 10 ملايين تجربة نفسية

“القنطور”: نظام يجمع بين الآلة والإنسان لفهم الإدراك والتفكير

نجح علماء الإدراك في تدريب نموذج لغوي ضخم على 10 ملايين سؤال مأخوذة من تجارب علم النفس، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى إنشاء نموذج رقمي يُحاكي آليات عمل العقل البشري، بما يشمل التفكير، التأمل، والخطأ.

النموذج الجديد الذي أُطلق عليه اسم “Centaur” (القنطور)، يجسد مزيجًا بين الآلة والنفس البشرية، ويُعد تجربة جريئة لدمج علم النفس المعرفي مع قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

نموذج لغوي مدرّب على السيناريوهات النفسية المعقدة

يعتمد النظام على ملايين البيانات المستقاة من تجارب نفسية تشمل اختبارات الذاكرة، التعرف على الأنماط، المعضلات الأخلاقية، تقييم المخاطر والمكافآت، بهدف تجاوز قدرة النماذج التقليدية على استرجاع المعلومات، نحو إنتاج تفكير مشابه للسلوك البشري الواقعي.

الهدف الأساسي من هذا المشروع ليس صنع آلة خارقة، بل إعادة إنتاج “عيوب” الإدراك البشري، مثل التحيزات المعرفية، الميل للحدس، والتأثر بالعاطفة والسياق.

تحول كبير في طريقة بناء نماذج الإدراك

خلال عقود، أنتجت العلوم المعرفية عدة نماذج منفصلة تحلل جوانب مثل الذاكرة، اتخاذ القرار، وتكوين العادات، لكن ظلت هذه النماذج مجزأة تفتقر إلى رؤية موحدة للعقل البشري.

وهنا جاءت فكرة فريق العلماء، وعلى رأسهم مارسيل بينز من مؤسسة هيلمهولتز ميونيخ، بإعادة تدريب نموذج لغوي مفتوح المصدر يُعرف باسم LLaMA (من شركة ميتا)، وإعادة توظيفه ليكون أول نموذج شمولي الإدراك يجمع بين وظائف التفكير البشري المختلفة في إطار موحد.

LLaMA: مفتاح الانطلاق نحو محاكاة الإدراك

كان إصدار شركة Meta في عام 2023 لنموذج LLaMA نقطة تحول، حيث منح الباحثين القدرة على الوصول إلى الشيفرة البرمجية وإعادة تدريب النموذج بطرق جديدة، بعيدًا عن قيود الملكية التي تفرضها شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى.

استغل العلماء هذه الفرصة لتغذية LLaMA بملايين التجارب النفسية البشرية، ما سمح بإنشاء نموذج “القنطور”، الذي لا يقتصر على إنتاج الإجابات الصحيحة، بل أيضًا الإجابات الخاطئة المتوقعة من الإنسان.

محاكاة الأخطاء البشرية: أداة لفهم النفس

تكمن أهمية هذا المشروع في أن العلماء أصبحوا قادرين على رصد أوجه التشابه والاختلاف بين ردود النموذج وردود البشر عند التعرض لنفس المواقف والأسئلة.

ففي بعض الحالات، دعمت إجابات “القنطور” النظريات المعرفية المعروفة، بينما فتحت أخطاء النموذج المجال للتشكيك في افتراضات قائمة واقتراح مسارات بحثية جديدة.

فهم أعمق للإدراك البشري من خلال الذكاء الاصطناعي

يعِد النموذج الجديد بتحقيق طفرة في فهم العلاقة بين الذاكرة، العاطفة، السياق، واتخاذ القرار، ضمن نموذج واحد مرن، بدلاً من التعامل مع كل مكون بمعزل عن الآخر.

هذا النهج قد يساعد العلماء في تحليل أسباب اللاعقلانية في سلوك الإنسان، وتفسير ظواهر مثل التردد، الانحياز، والوقوع في الإغراءات، من خلال أدوات كمية دقيقة وقابلة للتجريب.

دمج الذكاء الاصطناعي بعلم النفس: مرحلة جديدة في فهم الإنسان

يمثل هذا المشروع بداية لمرحلة جديدة من دمج علم النفس بالذكاء الاصطناعي، لا لإنتاج آلات تفكر مثل البشر فحسب، بل أيضًا لفهم لماذا يفكر الإنسان بالطريقة التي يفكر بها.

إن إنشاء نموذج رقمي يعكس العقل البشري في قوته وضعفه معًا، يفتح الباب أمام ثورة معرفية تتجاوز فكرة الأتمتة، إلى إعادة اكتشاف الذات الإنسانية عبر مرآة الذكاء الاصطناعي.

شارك هذا الخبر
إبراهيم مصطفى
إبراهيم مصطفى
المقالات: 967

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *