الذكاء الاصطناعي يلتهم صحراء تشيلي: السكان الأصليون يدفعون الثمن

سباق تكنولوجي على حساب البيئة

بعيدًا عن أضواء وادي السيليكون، وفي عمق صحراء أتاكاما القاحلة شمالي تشيلي، يدفع السكان الأصليون ثمن الطفرة المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي. فبينما تُبنى نماذج الذكاء التوليدي في مراكز بيانات عملاقة، تُستنزف موارد الأرض لتغذية هذه الثورة، وتحديدًا النحاس والليثيوم، الضروريين لصناعة البطاريات وتشغيل الخوادم.

منجم تشوكيكاماتا.. رمز الندوب البيئية

يُعد منجم تشوكيكاماتا، الأكبر في العالم لإنتاج النحاس، وفق ما نشرته “العربية” شاهدًا على الأثر العميق للصناعات الثقيلة. سونيا راموس، ناشطة من السكان الأصليين وعائلة من عمال المناجم، لا تزال تتذكر انهيار المنجم في خمسينيات القرن الماضي، والذي أدى إلى سقوط قتلى وأحدث دمارًا اجتماعيًا واسعًا.

منذ ذلك الحين، تحوّلت راموس إلى صوت مقاوم لسياسات التعدين، التي تصفها بأنها “تستنزف الأرض والإنسان لصالح شركات عالمية”.

النحاس والليثيوم.. ثروات تُستنزف

تنتج تشيلي ما يقرب من ثلث الليثيوم العالمي، إلى جانب صدارتها لإنتاج النحاس، وهما مادتان محوريتان في صناعة الذكاء الاصطناعي. إلا أن عمليات التعدين هذه تدمّر النظم البيئية وتُقوّض المجتمعات المحلية.

تسبب استنزاف المياه في جفاف سهول ملحية كاملة، ما أدى إلى انهيار الزراعة والرعي، وخسارة السكان الأصليين لأرزاقهم وهويتهم.

المجتمعات الأصلية تحت ضغط متصاعد

السكان الأصليون في المنطقة، المعروفون باسم “أتاكامينوس”، يواجهون تدهورًا في مستوى المعيشة، مع ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان، وتراجع في خدمات التعليم والصحة، رغم الثروات التي تُستخرج من أراضيهم.

تقول راموس: “أجدادنا كانوا عمال مناجم، أما اليوم، فنحن لا نملك شيئًا”.

الليثيوم.. الذهب الأبيض الذي أباد الحياة

في ستينيات القرن الماضي، اكتشفت شركة أميركية تركيزات عالية من الليثيوم في مسطح سالار دي أتاكاما الملحي. ومنذ ذلك الحين، تحولت المنطقة إلى موقع لاستخراج مكثف.

يُضخ المحلول الملحي في برك ضخمة ليتبخر تحت أشعة الشمس، ويُترك الليثيوم خلفه، ولكن على حساب الحياة البيئية. طيور النحام الوردي، التي يُنظر إليها كرمز روحي للسكان الأصليين، اختفت بالكامل من المنطقة.

ذكاء اصطناعي يُغذيه الاستنزاف

مع التوسع العالمي في مشاريع الذكاء الاصطناعي، يزداد الطلب على المعادن والطاقة. وتُستخدم “روايات التقدم” لتبرير مزيد من الحفر، لكن السكان المحليين يسألون: “لمن هذا التقدم؟”.

العالمة كريستينا دورادور تقول: “المجتمعات المحلية لا تملك قرارها، السياسات الدولية هي من تقرر”.

عنصرية رقمية تزيد المعاناة

الضرر لا يقف عند البيئة فحسب، بل يمتد للثقافة. فصور السكان الأصليين التي تُنتجها نماذج الذكاء الاصطناعي تُرسّخ صورة نمطية لشعوب “بدائية”، في تجاهل للواقع، كما كشف معرض فني أقيم بالبرازيل مؤخرًا.

انتفاضة السكان الأصليين.. مقاومة من أجل البقاء

في السنوات الأخيرة، رفع السكان الأصليون أعلامًا سوداء فوق بيوتهم، وقطعوا الطرق المؤدية للمناجم، ولجأوا إلى المحاكم الدولية للمطالبة بحقوقهم.

يطالبون بإجراء دراسات مستقلة لقياس كمية المياه المفقودة وحجم التدمير البيئي، ويقترحون نماذج تنمية بديلة.

راموس، التي أسست مؤسسة محلية، تدعو إلى نهج يجمع بين علوم الأجداد والمعرفة الحديثة، دون تدمير البيئة. وتؤمن بأن أتاكاما تخبئ أسرارًا بيولوجية وطاقة نظيفة لم تُكتشف بعد.

 

شارك هذا الخبر
إبراهيم مصطفى
إبراهيم مصطفى
المقالات: 967

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *