في أقل من عقد، تحولت المستشفيات الصينية إلى مختبرات حية للذكاء الاصطناعي. الخوارزميات هناك تتفوق على الأطباء في سرعة ودقة التشخيص، وتصل نسبة الدقة في قراءة صور الأشعة إلى أكثر من 98% خلال ثوانٍ، بينما تعمل أدوات تنبؤية على توقع الأمراض قبل ظهورها.
هذا التقدم لم يكن صدفة، بل نتيجة استراتيجية وطنية بدأت عام 2017، حين أعلنت الصين الذكاء الاصطناعي “أولوية وطنية”. خُصّصت مليارات الدولارات للتطوير، ودخلت التكنولوجيا حيّز التطبيق المباشر في مؤسسات كبرى مثل مستشفى بكين الجامعي.
البيانات: سرّ التقدم الصيني
في قلب التفوق الصيني يكمن عامل حاسم: البيانات الضخمة.
الصين تمتلك أكثر من 1.4 مليار نسمة وتدير نظاماً صحياً مركزياً يسهّل جمع البيانات الطبية من كافة أنحاء البلاد. تستخدم هذه البيانات لتدريب خوارزميات دقيقة وسريعة.
في المقابل، تواجه الدول الغربية قيودًا تشريعية صارمة. في أوروبا، تقيد “اللائحة العامة لحماية البيانات” (GDPR) استخدام السجلات الطبية، فيما يفرض قانون HIPAA في الولايات المتحدة معايير مشددة لحماية خصوصية المعلومات الصحية.
النتيجة؟ الصين تطور الذكاء الاصطناعي بسرعات ميدانية، بينما تتحرك الدول الغربية بوتيرة حذرة نتيجة القيود القانونية.
نقص الأطباء يسرّع الابتكار
تعاني الصين من نقص في الكوادر الطبية، إذ تمتلك 2.9 طبيب لكل 1000 نسمة، مقارنة بـ6.1 في النمسا و4.3 في ألمانيا. هذا العجز دفعها لتصميم مساعد رقمي للطبيب.
في المناطق الريفية، تُستخدم أجهزة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتشخيص أمراض مثل السكري وفقر الدم، بالاعتماد على صور الأشعة ونتائج التحاليل، ما يوفّر حلاً عملياً للمناطق التي تعاني من نقص الأطباء.
Kimi K2: الصين تُصدّر العقول الرقمية
في يوليو 2025، أطلقت شركة Moonshot AI الصينية نموذجًا لغويًا مفتوح المصدر باسم Kimi K2.
هذا النموذج قادر على تحليل النصوص الطبية، اكتشاف الأخطاء السريرية، وتوليد تقارير في ثوانٍ، مما يقرّب الذكاء الاصطناعي من غرف التشخيص. إطلاق Kimi K2 يرمز إلى مرحلة جديدة: الصين لم تعد فقط تطبق الذكاء الاصطناعي، بل تصدّره للعالم.
السعودية تدخل السباق بخطة وطنية
المملكة العربية السعودية لم تبقَ على الهامش، بل أطلقت استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي ضمن رؤية 2030، بقيادة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).
ترتكز الخطة على:
- ربط السجلات الصحية إلكترونيًا لبناء قاعدة بيانات موحدة.
- منصات تشخيص ذكية لتسريع اتخاذ القرار الطبي.
- تدريب الكوادر السعودية على أدوات الذكاء الاصطناعي، لإعادة هندسة مهنة الطب.
كما استضافت المملكة مؤتمرات دولية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤكد حضورها في صياغة الأطر التشريعية العالمية.
التوازن بين الخصوصية والابتكار
تواجه الدول سؤالاً جوهريًا: هل يمكن تحقيق الابتكار في الذكاء الاصطناعي دون التفريط بخصوصية البيانات؟
الصين اختارت المسار السريع، الغرب يتمسك بالتشريعات، والسعودية تسعى لخلق توازن استراتيجي يجمع الكفاءة التكنولوجية مع الضوابط الأخلاقية.
من يملك البيانات… يملك القرار
القرار الطبي لم يعد حكرًا على الطبيب وحده، بل أصبح مشتركًا بين الإنسان، الآلة، والبيانات.
الدول التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي الطبي هي من ستقود مستقبل الرعاية الصحية، وتحسم المعركة في عالم جديد يُدار من خلال الخوارزميات لا فقط بالسماعة الطبية.




