في خطوة طموحة تهدف إلى الحد من الأضرار البيئية الناتجة عن التوسع الكبير في استخدام الذكاء الاصطناعي، أعلن الملياردير الأميركي جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، عن خطة جريئة لنقل مراكز البيانات الضخمة إلى الفضاء. وأوضح خلال كلمته في أسبوع التكنولوجيا الإيطالي في تورينو أن البنية التحتية المدارية يمكن أن تساهم في تقليل التلوث واستهلاك الطاقة والمياه الذي يرافق التشغيل المكثف لأنظمة الذكاء الاصطناعي على الأرض.
أزمة الطاقة والمياه وراء الخطة الجديدة
تشهد أنظمة الذكاء الاصطناعي نموًا غير مسبوق، ما أدى إلى ارتفاع هائل في استهلاك الكهرباء والمياه نتيجة اعتمادها على مراكز بيانات ضخمة تعمل على مدار الساعة. ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية في أبريل 2025، بلغ استهلاك الكهرباء من هذه المراكز 415 تيراواط ساعة عام 2024، بزيادة سنوية قدرها 12% منذ عام 2017، وهو ما يعادل استهلاك عشرات الملايين من المنازل. كما يستهلك القطاع نحو 560 مليار لتر من المياه سنويًا لأغراض التبريد، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2030.
هذه الأرقام دفعت خبراء البيئة وصناع السياسات إلى البحث عن حلول بديلة، خاصة مع تصاعد الانتقادات لمراكز البيانات بسبب تأثيرها المتزايد على الموارد الطبيعية.
مراكز بيانات تعمل بالطاقة الشمسية في المدار
خلال كلمته في تورينو، كشف بيزوس عن رؤية مستقبلية لبناء مراكز بيانات بحجم الغيغاواط في الفضاء خلال العقدين المقبلين، مشيرًا إلى أن البيئة المدارية توفر مزايا طبيعية مثالية، منها الطاقة الشمسية الوفيرة على مدار الساعة، ودرجات الحرارة المنخفضة، وعدم التعرض للظروف الجوية القاسية.
وقال بيزوس: “سيصبح الفضاء أحد الحلول التي تساعد الأرض”، مؤكدًا أن الأقمار الصناعية الخاصة بالطقس والاتصالات أثبتت بالفعل جدوى البنية التحتية الفضائية. وأشار إلى أن الطاقة الشمسية الدائمة في الفضاء قد تجعل مراكز البيانات المدارية أكثر كفاءة وأقل تكلفة مقارنة بتلك القائمة على سطح الأرض.
الخطوات الأولى نحو التنفيذ
بدأت ملامح هذه الرؤية تتجسد على أرض الواقع. ففي مارس الماضي، أطلقت شركة Lonestar Data Holdings من فلوريدا مركز بيانات مصغرًا بحجم كتاب تقريبًا إلى القمر ضمن مهمة تجريبية حملها المسبار القمري Athena التابع لشركة Intuitive Machines بصاروخ SpaceX Falcon 9.
وتهدف هذه التجربة إلى اختبار أداء البنية التحتية المصغرة للبيانات في بيئة الفضاء، خاصة من حيث الكفاءة والمتانة. ورغم أن إنشاء مراكز بيانات ضخمة في المدار ما زال هدفًا بعيد المدى، فإن خطة جيف بيزوس تمثل تحولًا كبيرًا في طريقة التفكير في مستقبل الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد مراكز البيانات مجرد منشآت أرضية، بل أصبحت محورًا لاستراتيجية صناعية عابرة للكواكب.
نحو ذكاء اصطناعي أكثر استدامة
يرى خبراء التكنولوجيا أن خطة بيزوس ليست خيالًا علميًا، بل ضرورة بيئية واقتصادية في ظل الارتفاع المتسارع في استهلاك الطاقة عالميًا. فالانتقال إلى الفضاء قد يفتح الباب أمام ثورة في تصميم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ويضع العالم على طريق تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي وحماية كوكب الأرض.




