شركة ناشئة تسعى لأتمتة جميع الوظائف باستخدام الذكاء الاصطناعي… وتحذيرات من بطالة جماعية

«ميكانايز» تستهدف القضاء على العمل البشري خلال 20 عاماً… ومؤسسوها يروّجون لـ«اقتصاد آلي بالكامل»

 

قبل سنوات، كان المديرون التنفيذيون في وادي السيليكون يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي لن يُقصي الموظفين، بل سيُعزز إنتاجيتهم، ويُحررهم من المهام الروتينية. لكن الواقع اليوم يشير إلى تغير جوهري في هذا الخطاب، حيث تسعى شركات ناشئة إلى إحلال الأتمتة محل الإنسان بشكل كامل، في خطوة تثير القلق بشأن مستقبل العمل والوظائف.

بطالة مبكرة للخريجين الجدد

في ظل تطور قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي، بات بالإمكان اليوم كتابة الشيفرات البرمجية، وتحليل البيانات، وحل المسائل العلمية المعقدة، بل وأداء مهام متسلسلة باحترافية تقترب من أداء البشر. ومع تزايد هذه القدرات، ظهرت أولى الإشارات المقلقة في سوق العمل، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الجدد، في وقت يتزايد فيه اعتماد الشركات على الأتمتة لتقليص التكاليف.

شركة ميكانايز: رؤية طموحة بلا حدود

شركة «ميكانايز» الناشئة، التي أُطلقت حديثاً في سان فرانسيسكو، تُعد من أكثر النماذج تطرفاً في هذا التوجه. تقودها الشابة تاماي بيسير أوغلو، وتُشاركها التأسيس كل من إيجي إرديل وماثيو بارنيت، وهم جميعاً من خلفية علمية في الذكاء الاصطناعي بشركة “إيبوك إيه آي”. وتهدف «ميكانايز» إلى أتمتة «جميع» الوظائف، بما فيها وظائف الأطباء، والمحامين، والمبرمجين، بل وحتى مقدمي الرعاية.

تقول بيسير أوغلو: «هدفنا هو تحقيق اقتصاد آلي بالكامل في أسرع وقت ممكن»، مضيفة أن ذلك سيوفر وفرة مادية هائلة، ويمكن توزيعها عبر نظام للدخل الأساسي الشامل.

الذكاء الاصطناعي والتعليم المعزز

تستخدم «ميكانايز» تقنية التعلم المعزز Reinforcement Learning، وهي نفس التقنية التي تم من خلالها تدريب الحواسيب على التفوق في ألعاب استراتيجية مثل «غو». وتُوظف الشركة هذه التقنية في تطوير بيئات تدريب تُساعد نماذج الذكاء الاصطناعي على التعلم الذاتي والتعامل مع سيناريوهات متعددة، بما يسمح لها بأداء وظائف معقدة تتطلب تفكيراً وتحليلاً.

ورغم تركيز الشركة في الوقت الحالي على أتمتة البرمجة، إلا أن خطتها تمتد لتشمل وظائف إدارية ومكتبية واسعة. ووفقاً لتقديرات المؤسسين، فإن تحقيق الأتمتة الكاملة قد يستغرق من 10 إلى 30 عاماً.

غياب التعاطف… وأخلاقيات محل شك

إحدى الملاحظات اللافتة في عرض «ميكانايز» كانت غياب الاهتمام بالجانب الإنساني لمن سيفقدون وظائفهم. وفي جلسة حوارية، سُئل بارنيت عن أخلاقيات أتمتة كل أنواع العمل، فأجاب بـ«نعم»، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي قادر على خلق مجتمع أكثر ازدهاراً، حتى إن كان ذلك على حساب فقدان الناس لوظائفهم الحالية.

وبرر بارنيت موقفه بأن الأتمتة الكاملة ستُسرّع النمو الاقتصادي، وتُحفّز الاكتشافات في مجالات حيوية مثل الطب والعلوم، وأن ثروات التكنولوجيا الجديدة يمكن إعادة توزيعها لصالح الجميع.

دعم تقني واستثماري قوي

رغم الجدل الذي يرافقها، تحظى شركة «ميكانايز» بدعم بارز من مستثمرين كبار مثل باتريك كوليسون (مؤسس «سترايب») وجيف دين (كبير علماء الذكاء الاصطناعي في «غوغل»). وتوظف حالياً فريقاً صغيراً من المهندسين، وتعمل بالتعاون مع شركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

خطر قادم أم مستقبل مشرق؟

يبدو أن «ميكانايز» تمثل نموذجاً متقدماً لما قد يشهده العالم خلال العقدين القادمين من تحولات جذرية في سوق العمل. ومع التحذيرات المتزايدة من احتمال فقدان نصف الوظائف المكتبية خلال 5 سنوات، كما أشار داريو أمودي الرئيس التنفيذي لشركة «أنثروبيك»، تزداد المخاوف من أن تكون هذه التحولات أسرع من قدرة المجتمعات على التكيف معها.

في المقابل، يروج مؤسسو هذه الشركات لفكرة أن الأتمتة ستفتح الباب أمام نظام اقتصادي أكثر عدالة وكفاءة، إذا ما تم توزيع عوائدها بالشكل الصحيح.

خلاصة:

في ظل طموحات شركات ناشئة مثل «ميكانايز» بأتمتة كل الوظائف، تتحول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى بديل مباشر للبشر، ما يُثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل العمل، وأخلاقيات التكنولوجيا، وقدرة المجتمعات على التعامل مع ثورة لم تُحسم نتائجها بعد.

شارك هذا الخبر
إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

صحفي متخصص في التكنولوجيا

المقالات: 1319

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *