في عالم يتغير بوتيرة متسارعة بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي، تُواجه دولة قطر تحديًا وفرصة في آنٍ واحد: كيف تُعيد رسم دورها في الاقتصاد العالمي لا كمستهلكة للتقنية، بل كقائدة وفاعلة في صناعة مستقبلها الرقمي؟ ويكمن مفتاح هذا التحول في الاستثمار في الكفاءات الوطنية وبناء قدرات بشرية مؤهلة.
72% من مؤسسات الدولة تستخدم الذكاء الاصطناعي
منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2019، بدأت قطر خطوات طموحة في تطوير بنية تحتية رقمية، وتوظيف حلول الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وبحسب تقرير وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لعام 2023، فإن أكثر من 72% من المؤسسات الحكومية باتت تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي في خدماتها.
وتشمل التطبيقات أنظمة التنبؤ في النقل، والتشخيص الطبي الذكي، والتعلم التكيفي في التعليم، ما يعكس مدى التقدم في رقمنة الخدمات الحكومية، وذلك وفق ما جاء في مقال نشرته “الراية”، لخبيرة التنمية البشرية روضة القبيسي.
تحدٍ تعليمي: 5% فقط من الخريجين في تخصصات الذكاء الاصطناعي
ورغم هذا التقدم التقني، تُشير بيانات معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI) إلى أن نسبة الخريجين القطريين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لا تتجاوز 5% من إجمالي الخريجين سنويًا، في وقت ما زال أكثر من 54% من الطلبة القطريين يفضلون التخصصات التقليدية.
هذا الواقع يُبرز الحاجة إلى إعادة توجيه المسارات الأكاديمية بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة.
مبادرات وطنية لإعداد “جيل رقمي طموح”
استجابة لهذا التحدي، أطلقت قطر عدة مبادرات استراتيجية، من بينها:
- أكاديمية الذكاء الاصطناعي لتأهيل الكوادر الوطنية.
- برنامج جيل طموح الذي يستهدف تدريب 10,000 طالب قطري على المهارات الرقمية المتقدمة بحلول عام 2030.
- تعزيز الشراكات الأكاديمية بين جامعة حمد بن خليفة وجامعة قطر مع كبرى الجامعات العالمية، لإعداد برامج متخصصة في علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي.
المرأة القطرية تقتحم مجالات التكنولوجيا
وسجّلت المرأة القطرية حضورًا متزايدًا في التخصصات التقنية. وبحسب إحصائيات وزارة التعليم والتعليم العالي، ارتفعت نسبة الطالبات القطريات في مجالات STEM (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات) بنسبة 38% خلال ثلاث سنوات فقط، ما يُؤكد حدوث تحوّل مجتمعي في دعم دور المرأة في الابتكار والتكنولوجيا.
دعم الابتكار وريادة الأعمال
تمكين الكفاءات لا يعني التدريب فقط، بل يتطلب خلق بيئة تشجع على الابتكار والتطبيق العملي، وهو ما يستدعي:
- شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص.
- تمويل مشاريع ريادة الأعمال التقنية.
- تعزيز البحث والتطوير في القطاعات الاستراتيجية.
نحو مستقبل تُشكّله العقول القطرية
ختامًا، تؤمن قطر أن الذكاء الاصطناعي ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لخدمة الإنسان وتعزيز التنمية. ومع توفر البنية التحتية والرؤية الاستراتيجية، يبقى العامل الحاسم هو الاستثمار في الإنسان، لتمكينه من قيادة هذا التحوّل التقني بخطى واثقة.




