رهان تقني جديد لمواجهة القيود الأمريكية
تسعى الصين إلى كسر القيود الأمريكية الصارمة المفروضة على صناعة أشباه الموصلات عبر نهج تقني مبتكر يُعرف باسم “تكديس الشرائح”، فبدلاً من السعي لتصنيع شرائح أكثر تقدماً، تتجه إلى دمج شرائح أقدم محليّة الصنع في بنية ثلاثية الأبعاد بهدف تعويض الفجوة التكنولوجية مع عمالقة مثل إنفيديا.
هذه الاستراتيجية تمثل محاولة جريئة لمواصلة سباق الذكاء الاصطناعي رغم القيود الغربية على تقنيات التصنيع الدقيقة.
البناء عموديًا بدلًا من التقدم أفقيًا
يرتكز المفهوم على فكرة بسيطة: إذا تعذر إنتاج شرائح أكثر تطورًا، يمكن تعويض ذلك بتصميم أنظمة أكثر ذكاءً من خلال تكديس الشرائح عموديًا.
وقد طرح وي شاجون، نائب رئيس جمعية صناعة أشباه الموصلات الصينية وأستاذ جامعة تسينغهوا، تصورًا يعتمد على دمج شرائح منطقية بدقة 14 نانومتر مع شرائح ذاكرة DRAM بدقة 18 نانومتر باستخدام تقنية الربط الهجين ثلاثي الأبعاد.
اللافت أن هذه المقاسات تقع تحديدًا عند حدود القيود الأمريكية، ما يجعلها قابلة للتصنيع محليًا دون خرق العقوبات.
حوسبة قريبة من الذاكرة بدلًا من نقل البيانات
تعتمد هذه الاستراتيجية على مفهوم “الحوسبة القريبة من الذاكرة” المعتمدة برمجيًا، حيث يتم وضع وحدات المعالجة بجوار وحدات التخزين مباشرة عبر التكديس العمودي، ما يقلص حركة البيانات ويخفف من عنق الزجاجة الذي يعيق أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وتتيح تقنية الربط الهجين وصلات نحاس مباشرة على مستوى ميكرومتري بالغ الدقة، وهو ما يُقلل المسافات الفيزيائية إلى الحد الأدنى ويرفع الكفاءة.
أرقام الأداء… طموحة لكن الفجوة لا تزال قائمة
يدّعي مطورو هذه التقنية إمكانية الوصول إلى أداء يبلغ 120 تيرافلوب وبكفاءة قدرها 2 تيرافلوب لكل واط، مع استهلاك طاقة أقل وتكاليف أدنى من معالجات إنفيديا.
لكن بالمقارنة، فإن بطاقة Nvidia A100 توفر أداء يصل إلى 312 تيرافلوب، أي أكثر من ضعفي الأداء المعلن للتقنية الصينية، وهو ما يكشف بوضوح أن الفجوة التقنية لا تزال كبيرة رغم التطور المعماري.
لماذا تختار الصين هذا الطريق؟
يرى مؤسس هواوي، رن تشنغفي، أن السبيل إلى المنافسة لا يكمن في مطاردة دقة التصنيع الغربية، بل في التجميع الذكي للشرائح وبناء الأنظمة المتكاملة بدلًا من التنافس على حجم الترانزستورات.
كما تواجه الصين معضلة أخطر من العتاد نفسه، وهي هيمنة منصة CUDA الخاصة بإنفيديا على برمجيات الذكاء الاصطناعي، ما يجعل أي محاولة لتكرار نموذج إنفيديا تقنيًا وبرمجيًا بالغة الصعوبة. ولذلك، تراهن بكين على مسار معماري مختلف بالكامل لتجاوز هذا الاحتكار البرمجي.
تحديات حرارية وتصنيعية وبرمجية
رغم وجاهة الطرح من الناحية الهندسية، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة، أبرزها:
- الحرارة المرتفعة الناتجة عن تكديس شرائح بدقة 14 نانومتر مقارنة بشرائح 4 و5 نانومتر الحديثة.
- انخفاض معدلات الإنتاج السليم (Yield)، إذ أن أي خلل في طبقة واحدة قد يؤدي إلى تلف الشريحة بالكامل.
- غياب منظومة برمجية متكاملة قادرة على استغلال هذا النمط الجديد من المعالجة بكفاءة عالية.
أين يمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية فعلًا؟
يرجح الخبراء أن تكون هذه التقنية مناسبة بشكل أكبر في مهام الذكاء الاصطناعي الخاصة بالاستدلال (Inference)، وتحليل البيانات، وبعض التطبيقات المتخصصة التي تعتمد على سرعة الذاكرة أكثر من اعتمادها على القدرة الحوسبية القصوى.
أما منافسة إنفيديا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة فما زالت هدفًا بعيد المدى.
ما الذي تعنيه هذه الخطوة في حرب الرقائق العالمية؟
تعكس استراتيجية تكديس الشرائح تحوّلًا واضحًا في السياسة الصناعية الصينية، من محاولة اللحاق بالتقنيات الغربية في التصنيع الدقيق، إلى منافسة مختلفة تعتمد على الهندسة المعمارية والتغليف المتقدم والتكامل بين العتاد والبرمجيات.
وبينما لا تزال إنفيديا مهيمنة عالميًا، فإن ظهور مسارات تقنية بديلة يعقّد مشهد المنافسة، ويفتح الباب أمام تعريف جديد لماهية “شريحة الذكاء الاصطناعي” مستقبلًا.




